مايونيوز -
جاءني طائف في قيلولة ظهر يوم الثلاثاء 25 نوفمبر عام 2014م، فما سلم حتى هم بالانصراف:
ـ قلت: رحماك يا صاحبي، أرحب على الرأس والعين.
ـ قال: السلامة والمعافاة، إني على عجل من أمري ولكنني لما مررت بـ «عدن المدينة» فضلت أن أحييك فيمن تبقى لي من أصحاب وأحباب فيها، وهم كما تعلم صاروا أقلية من الأحياء وأكثرية من الشهداء والفقد -مع الأسف-.
ـ قلت: السلام والرحمة، عليهم ولهم، ومبارك قدومك في المكان والزمان، وسلامتك من الأحزان.
ـ قال: لا فض فوك يا ولدي.. ولكن أولاد الحرام ما خلوا لأولاد الحلال شيئاً يفعلونه في هذا الزمان.
ـ قلت: لعل البعض منهم جعل من نفسه ومن يؤثر عليه من الناس مجرد وسائل تحقيق أغراض الآخرين.
ـ قال: كأنك قد وضعت أصبعك فيما يجرح من سائر جسد الوطن، ولكن بدراية ولطف ظاهرين.
ـ قلت: ماذا عساني أفعل أكثر يا سيدي أنا إنسان مكسور الجناح في دنيا المصالح وأناسها المتوحشين.
ـ قال: لا.. لا تقل هذا، أنا أكره الانكسار في كل شيء، فأنا بطبعي أحب البحر، وأشاهد ظواهره المختلفة، وأشد وأسوأ ما أرى انكسار أمواجه العالية وتراجع مده العاتي.
ـ قلت: أنت يا سيدي تحبه حالما يكون هائجاً متلاطم الأمواج ويريح نفسك عندما ترى عيناك المد الهادر بالقوة.
ـ قال:نعم.. هذا صحيح، المد يا ولدي يوحي بتجدد الحياة كما أن الجزر يشعرني بدنو الموت. ناهيك عن أن المد يخرج كوامن أعماق البحر إلى الشاطئ.
ـ قلت: أتحب يا أبي لآلئ ومرجان البحر وأسماكه؟.
ـ قال: نعم.. وأحب الربابنة والبحارة المهرة، وهم أشبه بالنوارس التي جعلت من البحار موطناً وسكناً في مدها وجزرها.
ـ قلت: ألا تخشى هذه النوارس أخطار الغرق حتى الموت في تلك المواطن الخطرة؟.
ـ قال: المهم في هذا الشأن أن تألف النوارس حياة البحر وتعتادها ثم تغدو الأخطار بالنسبة لها أشبه بقوارب نجاة.
ـ قلت: أنا فخور جداً بمحادثتك لي، ومعتز جدا بحوارك المفيد والحميم معي، وأعاهدك بأنني سأضع خلاصة من معارف عن البحر في مقدمة تعاملي معه ما حييت.
ـ قال: خاطرك لقد أدركني الوقت وأمامي البعض من الأبناء الأوفياء الذين يستحقون الزيارة لأنهم كعهدي بهم يحتفون بي ويوقرونني، والله يشهد عن مدى حبي وتقديري لكم لأن طاعتكم لي وبركم بي لم يترك لي عذراً من مبادلة الإحسان بالإحسان مع وجود المحبة كعقد دائم بيننا.
(وأذكر أنه قد سالت على خدي دمعة ساخنة وأنا أودعه ثم صحوت من قيلوتي على أذان العصر).
حياك الله يا أبانا أيها الميت الحي بالنسبة لنا والحي الميت بالنسبة للآخرين.. بك عشنا زماناً، زمانا مفعماً بالحرية والكرامة.. نحسد اليوم عليه الرجال منا الذين ماتوا محبة لك.. يا أبانا ما عاد الرجال الرجال ولا الزمان الزمان.. وتبدلت الأماكن وعادات الناس هنا وهناك.. حكامنا آمرون ومأمورون.. والناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب المصالح الذاتية شديد.. اننا صرنا في أوطاننا في الوقت الراهن قاب قوسين أو أدنى من شن ثورة تحرر جديدة.. تنشلنا من حنحنات الدول العشر الراعية وعنعنات موظفي الأمم المتحدة.
خلاصة
الـ 30من نوفمبر عام 1967م يدق أبوب المكان والزمان، ويعلن أمام من تبقى من رجاله وكذا الآباء والأحفاد: أن التفتوا إلى مواكب المستعمرين بين ظهرانيكم، وتبينوا، ماذا تبقى لكم من الاستقلال ومكاسبه، أنتم أناس جديرون بجني ثمار الثورة ضد الاستبداد والاستعمار.
إذا استوعبتم معطيات عصركم وعرفتم كيف تتعاملون مع أنفسكم والمحيطين بكم من الأشقاء والأصدقاء وكذلك الخصوم والأعداء.. ثقوا أنكم ستكونون في منجى من فقدان الاستقلال بالمجان أو بالأجر المنقوص.
نحن من ضمن أمة عريقة عربية إسلامية ذات حضارة ورسالة خالدة.. يريد لها أعداؤها الموت.. وليس أمام رجال ونساء هذه الأمة الاستسلام أو المقاومة، وللإستسلام أشكال وألوان في عرف المستعمرين والمقاومة ينبغي أن تكون لدى المقاومين لها أطوار وأدوار.