مايونيوز -
جاء الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مركز القرار الوطني، ليس لأنه جنوبي، وليس لأنه عسكري، بل لأنه يمني وحدوي، ورجل تهدئة وتوافق، وكان عاملاً مشتركاً لدى أطراف الأزمة السياسية آنذاك، ويشهد الجميع أن الرجل قد عمل ما في وسعه من أجل العبور بالعباد والبلاد من واقع الاحتراب إلى ضفاف السلام، وضبط ايقاع خطاه العملية على مضامين بنود المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالشأن اليمني.
نجح في اقناع أطراف الأزمة السياسية بأهمية الحوار والتفاهم في الحياة، وكان يطالبهم ليلاً ونهاراً نسيان اوجاع وآلام الماضي، ويحثهم على النظر البعيد باتجاه استشراف مستقبل اليمن الجدي، واستطاع تجميع الدعم والتأييد لليمن بأسلوب قيادته القائمة على تقليص مسافات العداء والخصام بين شركاء الحياة السياسية الجديدة، كلما وجد إلى ذلك سبيلا.
هكذا تبدت اليمن في عهده في عيون بعض المراقبين العرب والأجانب، بصورة خاصة ومميزة في سياق تجارب ما يسمى بـ (بلدان الربيع العربي) ونحن نعلم أن كثيرا من المنغصات كانت تتواكب مع سير شعبنا وقواه السياسية المتوافقة .. وقبل ن يصل اليمنيون إلى اختتام جلسات مؤتمر حوارهم أخذت الأوضاع العامة في التأزم من جديد.
شهد البلد أعمال إرهارب واغتيال شخصيات عسكرية ومدنية وتخريباً لأنابيب البترول وأبراج الكهرباء وكانت جماعات الإسلام السياسي محط اتهام من جميع المواطنين والجماعات تتهم بعضها بعضاً وتخلق في رحم المجتمع خطاباً طائفياً ومذهبياً -سني وشيعي- وعرفنا في حياتنا لأول مرة مفردات الروافض والنواصب ثم تلى ذلك حرب دماج ثم عمران.
من حق انصار الله كقوة سياسية ثالثة بعد المؤتمر الشعبي العام وحزب الاصلاح ان تراقب مجريات الأحداث في اليمن وان تتخذ الموقف الذي تراه مناسباً من غير تلويح باستخدام القوة.. ليس هناك من ضير على الوطن من الخروج إلى الشارع لإعلان المطالب بصورة سلمية ولكن الخطر يكمن في التهديد بفرض المطالب بالحديد والنار.
يخبرنا المشهد السياسي اليمني الذي يظهر في صورته أنصار الله كدعاة مطالب عادلة أن لديهم مآرب سياسية من خلفها.. ولكن لا شروطهم التعجيزية ولا رفضهم لمبادرة اللجنة الرئاسية الوطنية يجعل الصف الوطني وسلطة التوافق تلجأ إلى الخيار العسكري.. فلابد من اعطاء الرئيس عبدربه منصور هادي مساحة من الوقت يمارس خلالها الخيار السلمي مع انصار الله.
يخيل إلينا ان انصار الله لم ولن يبرحوا ساحات التظاهرات والاعتصامات حتى يسمعوا رد سلطة التوافق الحاسم مع اقرارنا أن لديهم مآرب سياسية.. وهم حريصون على عدم مغادرة أمانة العاصمة مهما كانت التضحيات وعلى الحكومة أن تختار بين تفريقهم بالقوة أو القبول بالغاء الاصلاحات الاقتصادية في حقل البترول والديزل وكلا الخيارين احلاهما مر على حكومة التوافق واحزابها.
المشكلة تكمن في الجرعة السعرية للنفط ومشتقاته، انصار الله ومن والاهم يضغطون في اتجاه تركيع سلطة التوافق واحزابها والقبول بالغائها وهذا ضرب من المحال الوصول اليه.. لأننا نرى بالعين المجردة مدى استماتة سلطة التوافق واحزابها للاصلاحات الاقتصادية في مجالي البترول والديزل.. وفي حنايا هذا الصراع الدائر تصحو وتنام مآرب للطرفين.
مما لا شك فيه ان الجدل والصراع حول الجرعة السعرية أوجد علامات انقسام هائل في المجتمع.. لا ينبغي أن يحل إلا عبر الحوار والتفاهم بين الأطراف، وليس من صالح الوطن والشعب والقوى السياسية والاجتماعية أن يحل بالاكراه لأن في هذا المسعى اضراراً وأذى لتطور العملية السياسية في الوطن.. ولا بأس أن يتظاهر الناس حتى يجد عقلاء اليمن حلاً سلمياً آمناً يتراضى عليه الجميع.
الخلاصة
من معرفتنا القديمة ـ الجديدة بمكونات شخصية رئيسنا هادي والوقوف على ابعادها الوطنية والإنسانية، نستطيع القول إن لديه القدرة على ايجاد الحل المناسب إذا ما ترك خارج ضغوط المتظاهرين والمطالبين بوضع حد لهرجهم ومرجهم.
الوطن اليمني في اللحظة التاريخية الراهنة يحتاج إلى اظهار المزيد من الحكمة والصبر.. ويلزمنا أن نرفع شعار: صبرنا على أنفسنا ولا صبر الآخرين علينا.. علينا جميعاً أن نفتش على دروب الوئام والوفاق وأن ننسى أو نتناسى آلام وأوجاع الخلاف والافتراق.